Wednesday, February 15, 2012

عدنان خضر والأقصى في خطر

"الأقصى في خطر هل من مجيب"

"لو الصهاينة دخلوا الأقصى سيكون هذا المسمار الأخير الذي يدق في نعشهم"

"لن نسكت عن إهانة الأقصى"

هذه وغيرها كانت التغريدات التي زخت من سماء موقع تويتر ما بين الساعة الثانية والثالثة صباحا من يوم 12/2/2012 ليتبعها حزن وعويل على وفاة ويتني هيوستن فينسى معظم المغردين الأقصى والقدس وفلسطين ويستبدلون الأغاني التي تمجد القدس وتعد بالنصر والعودة بأغاني الراحلة السمراء، كدت اشكر رحمة السماء لوفاة جلال عامر لنحزن على ما يخصنا ويحزننا.

عام جديد من الكبت والتسلط والظلم لم يختلف عن سابقاته من الأعوام وموجة أخرى من السخط على الحال العربي المتردي يوما بعد يوم، الحال العربي لم يتغير منذ أن استيقظ الإنسان على كونه عربيا مستهدفا كلما علا صوته مطالبا بالحرية التي لم تتخلى لليوم عن لونها الاحمر، عام لم ينسى تكرار المزايدات على الشعب الفلسطيني وحثه بكافة أشكال النداء على النهوض والمقاومة والجهاد في سبيل الانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي.

الا ان الناظر الى التاريخ الفلسطيني يراه مشرفا بل وأكثر اشراقا وتشريفا من تواريخ دول الطوق على الأقل –لا أشير هنا الى الثورات العربية الحاصلة الآن- فتاريخنا لم يخل من المقاومة بكافة أشكالها فإضراب عام 1936 ومعركة القسطل التي استشهد فيها عبدالقادر الحسيني دفاعا عن القدس واستشهاد عز الدين القسام في أحراش يعبد دفاعا عن ارض الوطن رغم شح الموارد وندرة السلاح والمظاهرات الشعبية التي قضت مضاجع العدو الصهيوني والتي كان أبرزها اضراب عام 1936 وحتى الانتفاضة الاولى ومحمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي ومعارك مقاومة قطعان الهاجاناة في العام 1948 بالرغم من كون المجتمع الفلسطيني مجردا من السلاح آنذاك أبان الاستعمار البريطاني وغلبة الطابع الزراعي على معظم مدن فلسطين وقراها. وصولا للانتفاضة الاولى التي دامت سبع سنوات كان سلاح الفلسطيني بها الحجارة الا من رحم ربي واستطاع حمل السكين او حصل على قطعة سلاح خجولة أمام رشاشات العدو الصهيوني وصولا بالتاريخ المعاصر لفلسطين الذي نعيشه كل يوم.

والقاريء في تاريخ فلسطين والمنطقة لن يغفل حقيقة واحدة: الهزيمة كانت مدبرة وحتمية حيث بيعت الارض وقسمت من قبل أن تطلق أي رصاصة من أي جنسية سواءا في معاهدات او اتفاقيات تحت وفوق الطاولة نعلم بعضا منها والكثير لم يرى النور بعد فلا لوم على الفلسطيني.

كل هذه المواقع لا اراها إلا شرفا للفلسطيني وعارا على حكام العرب ومجالس الامن التي لا نهاية لها ووزراء الدول العربية الذين لا يزالون مؤكدين على نيتهم الاجتماع ومناقشة أي طارئ "يمس" كرامة العربي وأمنه وأمانه.

فلسطين معضلة التاريخ وهادمة ملذات الزمان من نكبتها حتى نكستها ومن نكستها حتى انتفاضتها وصولا بسلتطها. ولذلك سأترك فلسطين جانبا فلا جدوى من تكدير الصفو العام وقض المضاجع بقصة الاقصى التي بات حكامنا في سرائرهم يتمنون هدمه فلا يعدمون العذر لنسيان فلسطين، كيف لا والاقصى لم يعد موجودا ان شاءوا ولن يشاء الله.

عدنان خضر المعتقل السياسي الفلسطيني في سجون الاحتلال الاسرائيلي منذ 17/12/2011 والذي عبر عن رفضه للاعتقال الغير مبرر بإضرابه عن الطعام حيث اعتقل اداريا مما يعطي سجانيه حق التحفظ عليه للتحقيق وتجديد الاعتقال الاداري ما استدعى ذلك.

يتم خضر يومه الستين ويعاني من سوء المعاملة والحاجة الماسة الى العناية الطبية بعد تدهور حالته الصحية من تضخم في عضلة القلب وضعف في الرؤية وصعوبة في الكلام والحركة وتساقط الشعر الى الدخول في غيبوبة والتي زادها سوءا تنقله بين 5 مستشفيات ومراكز طبية من قبل معتقليه بحيث لم يجضع للفحوصات اللازمة أو العناية المستمرة التي تستدعيها حالته.

وبالرغم من المسيرات التي نددت بظروف اعتقال خضر وناشدت المجتمع الدولي التدخل لانقاذ عدنان جاء التجاوب ضعيفا ممجوجا كالعادة: استنكار ظروف الاعتقال، ابداء الأمم المتحدة قلقها الشديد لتردي حالة خضر الصحية وعرض مصر التدخل لانقاذ حياة الاسير المضرب عن الطعام منذ 57 يوما.

إلا هذه المبادرات والمشاعر الكريمة التي ابداها العالم مشكورا لم تأتي بحل جذري أو ما يقاربه لمشكلة الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية التي بلغ عددهم من الأسرى الفلسطينيين والعرب بالسجون والمعتقلات الإسرائيلية بلغ 8000 أسير، مقارنة بـ 1500 أسير فقط قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى عام2000، ومن بين هؤلاء الأسرى 240 طفلا و73 امرأة وفتاة، وكلهم موزعون على 22 سجنا ومعتقلا إسرائيليا داخل وخارج الخط الأخضر، وقد سجلت جمعيات حقوق الإنسان استشهاد 103 أسرى من جراء التعذيب.ولم تتطرق الى الشروط والظروف التي تستدعي الاعتقال الاداري كون اسرائيل دولة ينظر لها كدولة احتلال.

ولا أرى الآن إلا صورا من ألبوم فلسطين السميك دماء وقتلى وجرحى وأسرى وصورة أخيرة في الالبوم: تقبل على مضض لما نعيشه اليوم والتعلق ببارقة أمل يمكن ان تخرج من أرض مجاورة أو من معتقل كالشيخ عدنان خضر الذي لن تفلح روحه الا بتطهير نفسها.

لا الجامعة العربية ولا مجلس الامن من سيسدل الستار على 63 عاما من الاحتلال ولن يقنع المحتل الاسرائيلي بمغادرة الارض وتسليم الصولجان.

هي لكم الارض لكم أن تنتزعوها أو تسكنوها.

Wednesday, February 08, 2012

العصيان متعة لا يعادلها الا منع التجول

لم يكن للساعة وجود في ذلك الوقت من عمري لا أذكر الايام أو الشهور بالضبط إلا أني أعرف أنها في مرحلتي العمرية ما بين 6 و12 عاما. من الطبيعي أن تدور حياة الأطفال -وككل الأطفال لم أكن أعتبر نفسي طفلة- في فلك محدد: المدرسة، اللعب مع أبناء الجيران ومشاهدة الرسوم المتحركة.
هنا حيث عشت طفولتي وما تلاها انحرفت الطفولة عن مجراها انحرافا لا أزال أذكره ممتعا لا يخلو من أدوات اللهو والمغامرة. طفولتي شكلت في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي لا زلت أراها حية نابضة ومبتسمة كلما دقت الباب.

الانتفاضة الاولى لفتاة السادسة حتى الاثني عشرعاما كانت صورا محددة: إضراب، اضراب شامل، منع التجول، منشورات سياسية، جنازة شهيد واحاديث الكبار من حولي وأسماء لا حصر لها من الابطال والقادة والفدائيين والشهداء والرؤساء التي لا تعني لي شيئا في ذلك الوقت.
كان اهتمامي واهتمام أخي وأختي وأولاد الجيران ينصب على مصطلحين: الإضراب الشامل ومنع التجول ولم يكن أبشع عقاب لحريتنا المشروطة سوى خبر أن غدا إضراب، كان السؤال الوحيد الذي نوجهه لامي وأبي حين ينقل أحدهما الخبر "مش إضراب شامل؟"
الإضراب بالنسبة لنا هو مذاكرة دروس اليوم والتحضير لحصص الغد والاستيقاظ المبكر والانتظار على مقاعد الدراسة منتظرين دخول الشباب المدرسة ومطالبة المديرة باخراجنا وايقاف اليوم الدراسي لكي ننضم الى مسيرة ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي. ومن كان منا يأبه بالاحتلال أو بالاسرائيلي. ظهور الشباب على باب المدرسة كان يعني الجري الي المنزب بأقصى سرعة ورمي الحقيبة في الساحة امام المنزل والتجمع مع ابناء الجيران لنلعب الغميضة أو السبع حجار حتى سماع جرس العودة الى المنزل: أول طلقات الجيش الاسرائيلي النارية.
الاضراب الشامل كان عتقا من الأسر فمن الممكن أن يمتد الى ثلاثة أيام متواصلة لم يكن يعنيني وجه أبي المكفهر أو القلق الغير مبرر في ملامح أمي حين يصل الخبر، بالنسبة لهم الإضراب الشامل هو مظاهرات حاشدة في مدن فلسطين ومواجهة دامية محتملة بين حجارة الشباب ونيران الجيش الاسرائيلي العمياء. أما نحن فكان الاضراب الشامل كافيا لأن نركض الى غرفتنا ونتفرق فوق دولاب الملابس وتحت السرير وأمام درج الملابس الداخلية لنخرج كنزنا الثمين: البنانير/ الجلال/ بيلي. أحب البنانير الى قلبي كان بنورا أبيضا حليبي اللون خسرته في اللعبة ما قبل الاخيرة من العاب الانتفاضة
ولا أزال أذكر محاولاتي اليائسة لاستعادته في خمس ألعاب تلت لعبة خسارته ذلك اليوم.
الطامة الكبرى كانت حين لا نجد البنانير ونستنتج أن أمي رمتها لتمنعنا من اللعبة التي كانت تتسبب بجروح في الركبة من أثر القرفصاء على الارض أو على ظهر الكف خلال نصويب البنور.
شو نعمل ماما كابّة البنانير -
هلا بننزل نجيب -
بركي أبو وليد مسكر عشان الاضراب -
بنروح ع شارع السكة بضلهم فاتحين لليل هناك -
(سمي شارع السكة لانه كان الشارع الذي تمر به سكة حديد الحجاز التي ريطت دمشق بالمدينة المنورة حتى الحرب العالمية 1916)

تعود الساعة لتفقد معناها -بكرة إضراب شامل- آخر ما يرى منا أرجلنا تتقافز على درجات المنزل الى الشارع وقد سبقنا بنات وأولاد الجيران. الغميضة وألعاب البنانير من "المور" حتى "الجورة" والسبع حجار والجري حتى ينادي أحد الاباء أو كلهم بأن علينا للعودة الى المنزل وشفاهنا تبرطم "اشمعنا احنا نروّح وهنة هلأ ببلشوا يلعبوا شدة وطاولة زهر، شو مفكرينا هبايل والا بنخاف"
من الممكن ان تتحول المتعة الى إثارة ان مرت دورية من دوريات الجيش الاسرائيلي ونحن في الشارع ليصرخ احد الجنود مصوبا سلاحه باتجاهنا "روخ عالبيت، منع تجول" فنتناثر في مداخل البيوت القريبة ونراقب الدورية من أماكننا ثم نتقافز من جديد في الشارع حين يختفي آخر مشهد منها.

تتداول الأيام الاضراب والاضراب الشامل ومنع التجول اللذيذة، منع التجول هو تصريح غير مشروط بالحرية لا يعرف نهاية ولا يأبه لدقات الساعة ولا أجندة أيام الشهر. يبدأ تصريح الحرية بصوت الحاكم العسكري من مآذن المدينة "إلى أهالي مدينة نابلس الكرام بأمر من الحاكم العسكري يفرض منع التجول من مساء اليوم وحتى اشعار آخر" وينتهي بنفس الصوت "إلى أهالي مدينة نابلس الكرام بأمر من الحاكم العسكري يرفع منع التجول ابتداءا من مساء اليوم"، نفس طقوس الاضراب الشامل الا أن أبي وأمي يبدآن بأسئلة لا تعنينا: أسمعها كالموسيقى الخلفية أثناء بحثنا عن البنانير:
"شو صار ليش منع التجول؟"-
"بقولوا في شب ضارب مستوطن سكينة وبدوروا عليه" -
وين؟ -
قضا نابلس -
الله يستر هلا ما بخلو دار وما بفتشوها -
يا ستي، انشالله صوت القدس تبقى واضحة نشوف شو في -
الاضراب ومنع التجول منبع لإحساس واحد يلف الجو كخيوط كرة الصوف الدافئة التي تلسع أحيانا إن لامست
الجسد الطري، طعم الخبز الحاف الذي عجنته أمي وخبزه أبي للتو ساخنا طريا ومقرمشا في نفس الوقت وتجارب أمي وأبي إن تصادف شهر رمضان مع منع التجول لاعداد عجينة القطايف وشويها على ظهر المقلاة المقلوبة والعوامة المنزلية والقراقيش والحلاوة والزلابية.

لا زال منع التجول والاضراب مرتبطا بإحساسي بدف الصوف ولسعته على الجسد وااللعب والجري في الشارع ورائحة الاطعمة التي تشترى عادة من السوق وتحضر في البيت لقتل ساعات النهار حتى يحين المساء فيتسحّب والدي ووالدتي تفاديا لدوريات الجيش التي لا ترحم الكبار وتحولهم الى معتقلين بحجة خرق منع التجول الى بيوت الجيران ليلتفوا حول طاولات الزهر والشدة او الشاي والارجيلة.

عادت كل هذه الذكريات لي قوية حية نابضة برائحتها وملمسها حين أعلنت مصر الاضراب والعصيان المدني صور الاضراب لذيذة والعصيان ألذ واشهى، ستعيش يا شعب مصر تجربة جديدة في الصراع من اجل الحرية وان استسلم الشعب لها سيستلذ بكوب الشاي الساخن من مطبخ احد الجيران يصبه للواقفين امام باب المبنى والخبز الذي خبزته أخرى للمرة الأولى والسخرية والتعليقات ونسيان الساعة وانزال اجندة العام عن الحائط.
أُسأل عن سبب حبي لك يا مصر كيف لا وأنت الزمن الجميل الذي لا أرجو له حاضر فلسطين

مع حبي وامنياتي بعصيان مدني وإضراب شامل